الوضع المظلم
الخميس ٠٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
إبراهيم جلال فضلون (1)

"السلطة السياسية تنمو من ماسورة البندقية" - هكذا قال مؤسس دولة الصين الشيوعية ماو تسي تونغ ذات مرة، الذي عكف على ضمان أن حزبه، وليس الدولة، هو من يسيطر على مفاصلها، وعكف في الحال على استئصال المعارضة داخل القوات المسلحة. وبعد تأمين ماسورة البندقية، من المهم السيطرة على "السكين" - أو جهاز الأمن الداخلي.. الذي تم اعتقال رئيسه بعد عامين من وصول "تشي" إلى الحُكم، لكن التحقيقات أحدثت مع زو صدمة سياسية في البلاد، كسرت قاعدة أن أعضاء اللجنة السياسية الدائمة للحزب، وهي هيئة صنع القرار الأعلى نفوذاً في البلاد، لا يجب أن يخضعوا للعقوبات الجنائية.

بالفعل هناك صراع حاد على السلطة داخل الحزب الشيوعي الصيني تدور رحاه بالرغم من شكليات الوحدة التي يحاول المسؤولون رسمها داخل الحزب وبدت في مؤتمراته ذات النزوات السلطوية، التي رأسها "تشي" مغتنماً اللحظة المناسبة لبسط نفوذه خلال العقد السالف، حققت سلطات مكافحة الفساد مع أكثر من 4.7 مليون صيني.. ليعكف وحده دون معارض من حزبه أو الصينيين على التخلص من المسؤولين الأمنيين الذين ساندوا اعتلاءه السلطة في المقام الأول، واتسموا بالطمع والفساد الشديدين، ممن تآمروا من أجل اغتصاب قيادة الحزب الشيوعي واغتصاب سلطة الصينيين، بـ 5 سنوات إضافية في الحكم، ووضع لجنة دائمة تجاهر بولائها له لا للحزب، وما من مشاهد إخراج الرئيس الصيني السابق "هو جينتاو" (Hu Jintao) من القاعة، إلا سيفاً وإذلالاً لهيبة الصين ككُل حتي لو كان مريضاً مثلما يتشدقون ليخرج في المؤتمر الـ20 للحزب الشيوعي الصيني الحاكم، حيثُ كانت هناك جلسة "فولكلورية" سرية لاختيار أعضاء اللجنة الدائمة ممن يتميزون بالولاء المطلق للرئيس "تشي" قبل طرده سلفه الرئيس السابق "هو جينتاو" الذي كان جالساً إلى جانبه، لاعتراضه على الأسماء فأطفؤوا مذياعه عمداً وأدرك أنّه تمّ إسكاته عنوةً"، وطردوه شر طرده من القاعة، وكأنه أخذاً بالمثل المصري (اضرب المربوط يخاف السايب)، لا سيما أن عدسات الإعلام وثقتها، بينما كانت تقام عملية تصويت سرية لم يسمح للصحفيين الصينيين أو الأجانب حضورها، ليُصبح اسم هاو جينتاو محظوراً في الصين، بعدما اكتشف في الدقيقة الأخيرة أنّ أسماء القادة الجدد كان مغايراً لما ورد في اللائحة كتعيين رئيس الحزب في مقاطعة شانغهاي لي شيناغ (Li Qiang) منصب "خلف الرئيس" (China's Premier)، بسبب بطشه في تطبيق سياسة صفر اصابات بكورونا، للحؤول دون مطالبة أحد بإلغاء تطبيق هذه السياسة أو حتى التفكير في انتقادها، فجاء بـ "لي شيانغ" كي يضمن عدم الإطاحة بسياسته أو الإزاحة عنها، فهل الصينيون يرضون بأن يُساقوا بالعصى؟

من حق "هو جينتاو" الغضب والاعتراض لما والتصويت ضد أي قرار كمواطن صينى، كونها كسرت كلّ الأعراف والقوانين الصينية، لذلك تم إسكاته وطرده، وليفرح من يقهر الصينيين بحكم "تشي" الأزلي والعودة للعبودية لا لقيادة العالم إلا على أجسادهم، مؤكدة تصرفاته بأنه الزعيم الوحيد وأن قراراته منزلة ولا تتبدَّل فالقوة كلّها معه، وفق قول زينغ: "يقول "تشي" في ذلك التصرّف للقيادات: لا تُشكّكوا في قوتي بعد اليوم، لأنَّه بالأساس وقبيل انعقاد المؤتمر الـ20 للحزب الحاكم برزت شائعات كثيرة عن استبدال تشي بشخصية أخرى، وقيام قادة الحزب الكبار والمتقاعدين بتحرك لإزاحته، وبالتالي، أثرت هذه الشائعات على قادة الحزب المتوسطين والصغار الذين لم يعرفوا قائداً غيره، وهكذا أراد "تشي" أنّ يظهر للجميع بأنه ما من فصائل أخرى داخل الحزب الحاكم وأنَّه من الآن فصاعداً هو الزعيم الوحيد الذي يفترض بهم أن يستمعوا إليه".

ليخلد قول جنيفير زينغ بالقول: "كما نقول في الصين، هناك منطقان في العالم، المنطق العادي ومنطق الحزب الشيوعي الصيني المُهيمن حتى لم يسلم منه مُسلمي الإيغور، ليرتدي الحزب الشيوعي الصيني (CCP)، ومُمثلهً تشي جينبينغ ثوب "روبن هود"، في مواقف تنم على"التعملق"، فيما يُسمى الازدهار المُشترك، باستراتيجية المثل المصري "سرقة الكُحل من العين"، رغم أن النموذج الاقتصادي للحزب الشيوعي الصيني لم يتح للآن سوى الخيارات السيئة للصينيين والعالم، لقاء زيادة حدة عدم المساواة، وارتفاع الديون المفاجئ، واستثمارات مهدورة، عكس الواقع لانزلاق الأسواق الصينية، خاصة العقارية إلى كساد وسط أزمة سداد الديون، وعلى خلاف تضاعف نسبة  المليونيرات في الصين بحلول عام 2026، بإجمالي ثروات 20 مليارديراً صينياً نحو 502.5 مليار دولار، وفق موقع "سي أي أو وورد دوت بيز"، وإلا لماذا حجبت الحكومة بيانات النمو بالتزامن مع مؤتمر الحزب الشيوعي؟

أعتقد في الاقتصاد وعكسه، وأنا مع ذلك الرأي لدى هيرشمان "إن كل نمو سريع هو نمو غير متوازن"، وهي اختلالات من الصعب التخلي عنها أو التوقف عنها في النموذج الشيوعي، ذلك أن نجاحه يعتمد على المجموعة المُسيطرة لاستمرار النموذج، دون وجود لأي معارضة داخلية وخارجية عنها.

فبدلاً من معالجة العجز الصيني، تحول بنموذجه بعد نحو أربعة عقود إلى إفراط كبير طبقاً للبنك الدولي، فمثلاً استثمرت الصين على امتداد عقد من الزمن ما يُقارب 40 إلى 50 % من الناتج المحلي الإجمالي السنوي، وهو ما يُخالف قاعدة (النمو يعتمد على الاستثمار)، لذا لا يمكن للصين أن تستمر الصين إلا إذا أوقفت ما بدأته.

وإلا وقعت في فخ خفي، كما حدث للاتحاد السوفياتي والبرازيل في خمسينيات وستينيات القرن الماضي واليابان في سبيعينياته وثمانينياته، فازداد عبء دين الصين بسرعة البرق فيما يُطلقُ عليه "الاستثمار غير المُنتج"، ليتم محاولة حلها إلا منذ حوالي 20 عاماً مضت، لتبرز هنا مفارقات الاقتصاد "الاشتراكي" بالصين تمنح امتيازاً لأصحاب رأس المال، وتدفع بتشريعات وإصلاحات ضريبة الملكية إلى الأمام وتنفذ برامج تجريبية، وفق أهواء الحزب الشيوعي و"مهندس الإصلاح الصيني" دنغ شياو بينغ وتأسيسهُ فكرة "الرخاء المشترك" التي تتناقض وخطابات "شي"، حيث زادت نسبة ديون الصين الرسمية من 150% من الناتج المحلي الإجمالي إلى قرابة 280% منه، لتنفجر الفقاعة عالمياً، وفق منطق التنافس العقيم المحفوف بالمخاطر، مثلها مثل عدوتها الأمريكية. وهو ما أنتج ديناميكية متماثلة [خطوات انعكاسية]، بعيدة عن التعايش في صراع طويل، متدهور مع غزو الدين الصيني لـ"استعمار" العالم الثالث، ليُؤثر بالسلب عليها في عواقب وخيمة على البلاد والحزب الشيوعي والاقتصاد العالمي.

بلى، لم يكونا (مهاتير وجوليوس) الوحيدين اللذين استشعرا خطر "الفخ الصيني"، فقد صدحت أصوات هنا وهناك من الديون في بلدان القارة السوداء من أفارقة ملوا من قروض ثقيلة، لا يمكن سدادها، وهناك وسيراليون مثالاً للهمود والديون.. فمحمد مهاتير الماليزي قد قالها لي كه تشاينغ بالصين: "لا نريد نسخة جديدة من الاستعمار".

 

ليفانت - إبراهيم جلال فضلون

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!